استطاع ال عثمان انطلاقا من إقطاعية صغيرة ان يؤسسوا امبراطورية شاسعة مترامية الأطراف امتد نفوذها السياسي على ثلاث قارات ، كان لابد لها من وجود نظام ادري محكم ليتمكن العثمانيون من خلاله من تنظيم شؤونهم الداخلية و تسيير ولاياتهم البعيدة عن العاصمة الأستانة مع الحفاظ على تبعيتها المباشرة للدولة العلية.
ارتبط نظام الحكم عند العثمانيين بولاية العهد الوراثية الى جانب تمتع السلطان بسلطة مطلقة ، بوصفه القائد العام للجيش و الحاكم الأعلى للدولة ، و يساعده في تدبير شؤون امبراطوريته عدد من الوزراء على راسهم الصدر الأعظم .
قد عرف السلاطين العثمانيون بلقب بادشاه و هي كلمة فارسية تتكون من كلمتين هما باد التي تعني تخت و شاه التي يقصد بها سيد او صاحب ، و تعني البادشاه ملك الملوك و أحيانا يشار للسلطان العثماني كذلك بخندكار، و اشتهر سلاطين ال عثمان بعدة القاب تميزهم عن غيرهم خاصة السلاطين العشرة الأوائل مثل السلطان مراد الأول الذي كان لقبه عند العامة غازي خداوندكار أي مراد الله ، كما عرف السلاطين بعد مد السيطرة العثمانية على الأماكن المقدسة في مكة و المدينة بلقب جديد هو خادم الحرمين الشريفين ، ناهيك عن تمسك حكام ال عثمان بلقب الخلافة خلال القرنين الثامن عشر و التاسع عشر الميلاديين و مستهل القرن العشرين .
كما تولى عبيد السلطان او القولار اغلب المناصب المهمة في الدولة العلية عدا المناصب الدينية مثل منصب مفتي السلطنة شيخ الإسلام ، فضلا عن ان اغلبهم من اصل مسيحي بلقاني انتزعتهم الدولة من عائلاتهم بموجب ضريبة الغلمان ( نظام الدوشيرمة ) ، و خضعوا لتنشئة صارمة و تربية إسلامية ، فكان بذلك اغلب الصدور العظام و وزراء الديوان من اصل قولاري.
اما اهم المناصب الحكومية زمن العصر العثماني الأول فقد كان هو منصب البرفانجي الذي هو مصطلح فارسي يقصد به المفتش اخذه العثمانيون عن سلفهم سلاطين سلاجقة الروم ، و قد كانت له سلطات واسعة ؛ فهو النائب السلطاني يسير شؤون العاصمة اثناء قيادة السلاطين للحملات العسكرية ما يجعله بذلك وزير تفويض ، غير انه سرعان ما سيتحول البيرفانجي من وزارة التفويض الى وزارة التنفيذ زمن السلطان سليم خان القاطع و ابنه السلطان سليمان خان الأول ، و مع توسع المجال الحيوي للدولة و ازدياد مساحتها نقلت مهام البيرفانجي للصدر الأعظم الذي كان يعتبر بمثابة رئيس للوزراء ؛ اذ منح بعض السلاطين العثمانيين الصدور العظام عددا من الامتيازات الهامة ؛ مثل رئاسة الديوان و المحاكمات ، بل و قيادة الجيش أحيانا مثلما كان يفعل وزراء ال الكوبرلي المشاهير ، فضلا عن اشراف الصدر الأعظم على الدفتردار ( رئاسة الهيئة المالية للدولة العثمانية ) و حقيبة روز نامه كيسيه سي و ديش خزينة و دفتر خانة و دفتر خانة سي ، و مرافقة كل من المحتسب و القاضي في مراقبة الأسواق التجارية ، و كذلك حق استعمال ختم التوقيع السلطاني في توقيع الفرمان ، و للحد من سلطة الصدر الأعظم المتنامية ابتكر السلطان محمد الفاتح تشكيلة وزارية جديدة سميت بوزراء القبة ( بالتركية العثمانية : قبة وزيراري ) و كما منحهم رتبة الباشوية اعلى الالقاب العثمانية و جعلهم تابعين للصدر الأعظم الذي عين له نائبا من وزراء القبة عرف بقائمقام .
لم تقتصر الإدارة المركزية العثمانية على السلطان و المناصب الإدارية الكبرى مثل الصدر الأعظم و القائمقام و وزراء القبة ، فقد عرفت الحكومة العثمانية وقتئذ عدد من المناصب التي تختلف حسب مهماتها سواء المالية او العسكرية او الدينية ؛ فمن المناصب العسكرية نجد اغا الانكشارية الذي يعتبر القائد العام للفيالق الانكشارية و يتبع للسلطان بشكل مباشر ، و الاغا هو لقب عسكري عرف به صاحب السيف في السلطنة العثمانية فضلا عن منصب الجاويش باشي و معناه باللغة التركية العثمانية ( الرسول ) و هو قائد الجاوشية الذين كانوا يشهدون مع السلطان العثماني المقابلات الدبلوماسية و جلسات الباب العالي و المحاكمات و دورهم هو تنفيذ الأحكام الجنائية ، و كذاك منصب السردار قائد الفرقة عند كل من السباهية الخيالة و الانكشارية المشاة ، اما المناصب المالية ؛ فنذكر منها : منصب مشرف دفتر خانة و الدفتردار الذي كان بمثابة وزير مالية السلطنة العثمانية و معناه قابض الدفتر ، و فيما يخص المناصب الدينية ؛ فنجد منصب قاضي العسكر الذي اكتسب أهمية كبيرة في عهد السلاطين التسعة الأوائل ، و قد قسم قضاء العسكر في الدولة العثمانية الى قضائيين حسب المنطقة : قاضي عسكر الروملي ( البلقان ) و قاضي عسكر الأناضول ، غير ان سلطته و مكانته ستنتقل لاحقا لمنصب المفتي الملقب بشيخ الإسلام الذي رغم ان نفوذه حصره السلاطين العثمانيون في القضايا الدينية و العلمية و الوقفية ، غير ان فتاويه اتخذت أحيانا حجة لخلع السلطان او الضغط عليه لتغيير القرارات الرسمية ، فضلا عن منصب صاحب الطغراء المعروف بالنشانجي باشي ، والذي ألغي في عهد السلطان احمد الثالث.
وكما اهتم العثمانيين بالغ الاهتمام بالمؤسسات الإدارية الكبرى و أنشئت لبعضها بنايات كبيرة خصصت لهذه الهيئات ، مثل الباب العالي الذي بني عام 1654م بأمر من السلطان العثماني محمد الرابع ، و تم استعماله كمقر لاجتماعات الديوان و كمسكن للصدر الأعظم ما جعله يعرف كذلك بباب الباشا نسبة للباشا المقيم به ( الصدر الأعظم ) ، و اول باشا سكن مبنى الباب العالي هو درويش باشا وزير السلطان محمد الرابع ، و مبنى الدفتردار الذي خصص للتباحث في القضايا العثمانية ذات الشأن المالي ، و هذا فضلا عن الديوان الهمايوني الذي عرف أعضاؤه بتسمية اركان الدولة ( بالتركية العثمانية : اعضاء دولت ) و كانت جلساته تعقد بحضور السلطان شخصيا و ظل السلاطين يترأسون اجتماعاته الى أن جعل السلطان سليمان الاول القانوني رئاسة جلسات الديوان الهمايوني لكبير وزرائه الصدر الأعظم .
اما فيما يخص التنظيم العام لولايات السلطنة العثمانية ، فقد كانت الدولة زمن السلاطين الأقوياء العشرة الأوائل تنقسم لمنطقتين جغرافيتين هما شبه جزيرة البلقان ( الروملي ) و شبه جزيرة الأناضول ( اسيا الصغرى ) و يفصل بينهما بحر مرمرة ، و قسمت الدولة إداريا لسناجق - جمع سنجق - جعل على كل واحدة منها حاكم يتبع السلطان ، و كما كان يعين عليها احد أبناء السلطان خصوصا ولاة العهد ، اما بعد فتوحات السلطان سليم الأول و ضم كل من الشام و مصر و اليمن و الحجاز و الجزائر و أذربيجان و الجزيرة الفراتية و غيرها الى الدولة العثمانية فقد عملت الدولة على ترسيخ مبدا اللامركزية من خلال تعيين الباشوات و جعلهم تابعين للباب العالي بشكل مباشر، فبعد فتح السلطان سليم الأول للشام و مصر و القضاء على دولة المماليك عين كل من جان بردي الغزالي واليا على الشام و خاير بك واليا على مصر ، او مثل ايالة الجزائر التي أنشئت فيها الدولة نظام البيلربكية مع خير الدين و خلفائه ، غير انها سرعان ما استبدلته لاحقا بباشوات يتم ارسالهم من قبل الباب العلي و استبدالهم كل 3 سنوات باخرين ، كما قسم الدولة ممتلكاتها الى ايالات و قسمت كل ايالة الى سناجق او متصرفيات في فترة لاحقة.
المصادر و المراجع
تاريخ سلاطين ال عثمان للقرماني ، دار البصائر دمشق 1985م .
بدائع الزهور في وقائع الدهور لابن اياس ، تحقيق محمد مصطفى 1961م.
تاريخ الدولة العثمانية ليلماز اوزنتونا ، تعريب عدنان سلمان ، مؤسسة فيصل للتمويل إسطنبول 1988م .
خلاصة تاريخ الدولة العثمانية للأمير شكيب أرسلان ، تعليق احمد المنزلاوي ، دار التقوى طبعة 2019م.
الألقاب و الوظائف العثمانية للدكتور مصطفى بركات ، كلية الاداب جامعة القاهرة طبعة 2000م .
تاريخ العثمانيين من قيام الدولة الى الانقلاب على الخلافة لسهيل طقوش.
الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها لعبد العزيز الشناوي ، مطبعة جامعة القاهرة.
تاريخ الجزائر العام لعبد الرحمن الجيلالي ، دار الثقافة بيروت 1980م.
تعليقات
إرسال تعليق