القائمة الرئيسية

الصفحات

النظم الادارية و القضائية للامارة المرابطية


     تعتبر الإمبراطورية المرابطية اول نموذج لبناء الدولة المركزية المستقلة في بلاد المغرب بعد ان كانت هده الأخيرة قبل قيام دولة المرابطين عبارة عن فراغ سياسي تسبح وسط مجموعة من الامارات المتنازعة القائمة على أساس عصبي - قبلي غير ان قيام اول دولة مركزية في الجانب الغربي لمنطقة الغرب الإسلامي فرض على دولتهم الفتية انشاء إدارة محكمة لتدبير شؤون إمبراطورتهم الشاسعة مترامية الأطراف. 
       كان النظام السائد عند المرابطين هو امارة المسلمين بعد تولية يوسف بن تاشفين بينما قبله ساد نظام الشورى الدي اعتمده المرابطون مند بداية حركتهم عند مصب نهر غانة (نهر السنغال حاليا) فقد كان امراء الحركة المرابطية يتم مبايعتهم بعد اختيارهم بإجماع اهل الحل و العقد و هم الفقهاء و العلماء و شيوخ الملثمين تحت اشراف الامام عبد الله بن ياسين الجزولي صاحب السلطة الروحية و الدينية في جماعة المرابطين و الدي كان له نفود و صلاحيات اكبر من تلك التي كانت لدى الامراء الثلاثة الأوائل للحركة المرابطية ومن ما يثبت هدا ما ورد عند صاحب روض القرطاس عندما باشر الأمير يحيى بن عمر الجدالي القتال و دخل الحرب بنفسه ادبه ابن ياسين بضربه بالسوط 20 مرة و بين له ان دلك خطا لان الأمير لا يقاتل و انما يقف يحرض الناس و يقوي نفوسهم و كدلك تعيين ابن ياسين للأمراء بعد مشاورته لشيوخ الملثمين كما فعل عند تعيينه لابي بكر بن عمر اللمتوني بعد وفاة أخيه الأمير يحيى . 
       لقد غلب جانب الامامة على الامارة في عهد الامام ابن ياسين الجزولي ولكن بعد بعد وفاته وتولية أبو بكر بن عمر رجح جانب الامارة على جانب الامامة واخدت الحركة المرابطية تنتقل من طابع الدعوة الدينية الى طابع الحكومة السياسية المنظمة فيما يؤكد كل من ابن خلدون والقاضي عياض على ان المرابطين اتفقوا على تولية الشيخ سليمان بن حدو الامامة والقضايا الدينية والقضائية على ان تبقى الامارة (السلطة السياسية والعسكرية) لابي بكر بن عمر اللمتوني ورغم دلك لم يحرس ابن ياسين قبل وفاته على توريث سلطته بل كانت اخر وصاياه لاتباعه المرابطين قوله ( اياكم و المخالفة و التحاسد على الرياسة فان الله يؤتي ملكه من يشاء و يستخلف في ارضه من احب من عباده و لقد ذهبت عنكم فأنظروا من تقدمونه منكم يقوم بأمركم و يقود جيوشكم و يغزو عدوكم و يقسم بينكم فيأكم و يأخذ زكاتكم و اعشاركم ) من خلال هده الوصية يظهر ان امام المرابطين الأول لم يكن يرى طريقة الحكم الوراثي بينما خشي يوسف بن تاشفين اللمتوني وقوع فوضى وراثة بعد وفاته فقرر استخلاف ابنه أبو الحسن علي وليا للعهد فيستمر بدلك الحكم وراثيا في عقب بني يوسف بن تاشفين وهكدا انحرفت طريقة اختيار الحاكم عند المرابطين من الشورى الى مبدئ ولاية العهد ولتدعيم شرعية خطوته عمد يوسف بن تاشفين الى اخد بيعة ولاية العهد من اهل الحل و العقد الدين هم العلماء و القضاة و شيوخ لمتونة و قبائل الملثمين و قادة الدولة . 
    كان حكام جماعة المرابطين يتلقبون بلقب الامارة قبل مبايعة ابن تاشفين الدي تسمى بأمير المسلمين و ناصر الدين او لقبه بها الخليفة العباسي بعد اعلان ولائه له غير ان المصادر الإخبارية اختلفت في ما ادا كان يوسف بن تاشفين قد تلقب بلقب امارة المسلمين يوم معركة الزلاقة او قبلها و يشير اغلب الاخباريين في هدا الصدد الى ان الخليفة العباسي هو من منح امير المرابطين لقب امير المسلمين و ناصر الدين بعد ان ارسل يوسف بن تاشفين وفدا من العلماء و القضاة لحاضرة الخلافة بغداد لمبايعة الخليفة امير المؤمنين و اعلان تبعية الامارة المرابطية بالمغرب و الاندلس للإمامة العباسية القرشية و قد استجابت الخلافة لهدا الطلب و منحت لأمير المرابطين تفويض لحكم المناطق التي تحت سيادته . 
     ونظرا لشساعة مساحة الدولة المرابطية فقد عمد يوسف بن تاشفين لاختيار ولاة وعمال لتسيير المناطق البعيدة عن العاصمة مراكش مثل الاندلس التي كانت حاضرتها قرطبة مقر نائب امير المسلمين و ولي عهده بقرطبة فكان اول من عين في منصب ولاية الاندلس هو القائد المرابطي الشهير فاتح اشبيلية سير بن ابي بكر اللمتوني ثم استبدل لاحقا بابن امير المسلمين أبو الطاهر تميم بن يوسف بن تاشفين اللمتوني و كانت حياة كل عامل صورة مصغرة عن حياة الأمير المرابطي فكانوا يتخذون القصور و الخدم و الفقهاء و الاعوان من اداريين و كتاب ديوان الانشاء. كما عمد الأمير يوسف بعد توطد سلطته على تعيين ولاة من لمتونة بشكل خاص ومن الملثمين (صنهاجة الصحراء) بشكل عام فولى امراء قومه الولايات والاعمال في الدولة اد تولى سير بن ابي بكر قبل تعيينه في الاندلس مكناسة الزيتون وبلاد فزاز بينما ولي داوود ابن عائشة سجلماسة ودرعة وعمر بن سليمان المسوفي عاملا على فاس وضواحيها. 
        اهتم المرابطون في نظامهم الإداري بديوان الانشاء و المراسلات حيث كان اغلب موظفيه من الفقهاء و الادباء و العلماء خاصة الأندلسيين الدين ابدعوا في مجال الكتابة و لعل من اشهر من تولى مناصب الكتابة زمن الامارة المرابطية العلامة أبو عبد الله محمد ابن ابي الخصال كاتب الأمير محمد بن الحاج و و أبو بكر بن الصائغ كاتب الأمير ابي بكر بن إبراهيم و الزبير بن عمر اللمتوني كاتب تاشفين بن علي بن يوسف و شهد ديوان الرسائل خلال فترة امارة علي بن يوسف بن تاشفين تطور كبير بعد اهتمام الدولة بموهبة الاندلسيين في الكتابة و الانشاء و القضاء و استفادتها من الكتاب السابقين لملوك الطوائف و من ابرز هؤلاء الأندلسيين الدين خدموا في إدارة الدولة القضائية و العلمية و الانشاء نجد محمد بن سليمان الكلاعي و أبو محمد عبد المجيد ابن عبدون و ابي القاسم محمد بن الجد الفهري الاندلسي و محمد بن يوسف الانصاري الغرناطي و الوزير الكاتب أبو جعفر ابن عطية الدي نكبه عبد المؤمن بن علي الكومي. 
    وقد توسع امير المسلمين علي بن يوسف في اتخاد الوزراء والمستشارين من الفقهاء وكبار العلماء أمثال الشاعر والفقيه العلامة مالك بن وهب الاشبيلي الاندلسي. كما اهتمت الدولة المرابطية بالإدارة القضائية حيث عمل امرائها على تولية القضاء للفقهاء المالكية وتقوية نفودهم داخل الدولة ومنحهم سلطة مطلقة وصلاحيات كبيرة مع استشارتهم في جميع قضايا الدولة ومن أهم المناصب العدلية خلال العصر المرابطي منصب قاضي الجماعة بالأندلس وأبرز من عين في هدا المنصب نجد الفقيه العلامة ابي القاسم احمد بن محمد بن علي بن محمد عبد العزيز التغلبي في عهد امير المسلمين يوسف بن تاشفين و كل من ابي الوليد محمد ابن رشد الجد و ابي عبد الله محمد ابن خلف التجيبي الشهير بابن الحاج خلال امارة علي بن يوسف بن تاشفين ومنصب قاضي الجماعة بالمغرب و الدي عرف كدلك بتسمية قاضي مراكش او قاضي الحضرة و اشهر من تولى دلك المنصب أبو محمد عبد الله بن قاسم بن منصور اللخمي و أبو الحسن علي بن عبد الرحمن ابن ابي حقون و أبو سعيد خلوف ابن خلف الله . 
    كما ان لكل قاضي مجموعة من الفقهاء يستشيرهم قبل اصدار الاحكام الشرعية العدلية والجنائية وهدا ابن عبدون يجعل هؤلاء المستشارين من الفقهاء أربعة اثنان منهم في مجلس القاضي واثنان اخران في المسجد الجامع. 
    لم تقتصر المؤسسة العدلية في الامارة المرابطية على القضاء المدني فقط وانما اهتم امير المسلمين المرابطي كدلك بالقضاء العسكري ولهدا اتخذ امير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين قاضيا في جيشه عرف بقاضي المحلة او قاضي الجند مثل الفقيه عبد الرحيم بن إسماعيل الدي عينه امير المسلمين علي بن يوسف قاضيا في معسكره بمدينة شالة (سلا). 
     واهل الذمة في الاندلس زمن الحكم المرابطي فقد كان رجال الدين الكاثوليك يتولون القضاء لهم دون تدخل القضاة المسلمين وقد عرف قضاة الذميين في الاندلس بتسمية قاضي العجم او قاضي النصارى ويشير لدلك المستشرق أشباخ بقوله (يتمتعون بحرية الشعائر ويحتفظون ببعض الشرائع القوطية ولهم اساقفتهم وقضاتهم).

 المصادر والمراجع 

 تاريخ الاندلس في عهد المرابطين والموحدين للمستشرق يوسف أشباخ ترجمة وتعليق محمد عبد الله عنان مكتبة الخانجي القاهرة 1996م. 
 الانوار الجلية في اخبار الدولة المرابطية لابن الصيرفي ابي بكر بن محمد الانصاري الغرناطي تحقيق وتقديم محمد علي دبور دار النابغة للنشر والتوزيع طنطا 2018م. 
 الذخيرة في محاسن اهل الجزيرة لابي الحسن ابن بسام الشنتريني تحقيق احسان عباس دار الثقافة بيروت 1980م. 
 الحلل الموشية في ذكر الاخبار المراكشية مؤلف مجهول اعتنى به بشير الفورتي تونس 1429ه. 
 تاريخ المغرب والاندلس في عصر المرابطين د حمدي عبد المنعم محمد حسين مؤسسة شباب الجامعة طبعة 1986م. 
 دولة المرابطين سلامة محمد سلمان الهرفي دار الندوة م1985/1405ه. 
 دراسات في تاريخ المغرب والاندلس د احمد مختار العبادي مؤسسة شباب الجامعة. 
 الثغر الأعلى الاندلسي في عصر المرابطين د حسين مؤنس طبعة مكتبة الثقافة الدينية.

تعليقات