الحركة العلمية خلال العصر المرابطي
تقدمت العلوم بمختلف فروعها العقلية والنقلية زمن حكم الدولة المرابطية، فبرز في كل علم من العلوم عدة علماء في العهد المرابطي كان اغلبهم من الاندلسيين أصحاب العلم والحضارة ومن هاته العلوم نذكر على سبيل المثال لا الحصر؛ علوم الادب واللغة والبلاغة والاخبار والجغرافيا والشعر والفقه والحديث وغيرها.
لقد ازدهرت أواخر حكم دولة المرابطين خاصة في عهد امير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين اللمتوني العلوم بمختلف فروعها واقسامها بعدما أصبح العلم والعلماء محط اهتمام بالغ من قبل السلطة الحاكمة آنذاك، نظرا لكون علي بن يوسف كان من أكثر الامراء المرابطين اهتماما بالشعر والادب وتشجيع الشعراء والعلماء والادباء الذين توافدوا على بلاطه من بلاد الاندلس، فحظي بذلك بمدح الشعراء الاندلسيين الكبار؛ مثل ابي العباس احمد بن عبد الله القيسي الشهير بالأعمى التطيلي الذي امتدح امير المسلمين علي بأبيات مطلعها:
يا علي العلاء في كل يوم ****** وما انت للملك بالسائس
والشاعر أبو بكر يحيى بن يوسف الذي مدح ولي العهد تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين ، و لم يقتصر المدح على الحكام فقد زمن دولة المرابطين ، و انما كذلك عمال و قادة الدولة كان بعضهم موضع اهتمام الشعراء مثل الأمير عبد الله بن مزدلي الذي قال فيه ابن عطية :
فاءت بنور ايابك الأيام ******* واعتز تحت لوائك الإسلام
كما مدح الشاعر ابن أرقم والده الأمير مزدلي قبله:
انت الأمير للمجد همته ******* وللمسالك يحميها وللدول
ووصل المديح الى فقهاء وعلماء دولة المرابطين وقضاتها، فهذا الأعمى التطيلي يمدح قاضي الجماعة ابن أحمد بقوله:
إليك ابن حمدين وابن بعد المدى ******* وأن غربت بي عنك احدى المغارب
فضلا عن أعداء الامارة المرابطية من الشعراء الذين اشتهروا بهجائها كالشاعر ابو بكر ابن سهل اليكي الذي هجا الملثمين المرابطين بقوله:
في كل من ربط اللثام دناءة ******* ولو يعلوا على كيوان
ما الفخر عندهم سوى ان يونقلوا ******* من بطن زانية لظهر حصان
المنتمون لحمير لكنهم ******* وضعوا القرون مواضع التيجان
كما ازدهر فن الموشحات والزجل بعد ظهوره اول مرة ابان الحكم المرابطي لبلاد الاندلس، ويعتبر أبو بكر بن قزمان القرطبي اول من ابتكر فن الزجل؛ فيقول في ذلك العلامة عبد الرحمن ابن خلدون في مقدمته: (انه لما شاع فن التوشيح في اهل الاندلس، واخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزاءه، نسجت العامة من الأمصار على منواله (...) واستحدثوا فنا سموه بالزجل).
كما ازدهر فن شعر الطبيعة، اذ برز من شعراء هذا اللون الشعري في العهد المرابطي عدد كبير كبير من الشعراء الذين نبغوا فيه مثل الشاعر الشنريني وعبد الحق ابن عطية وابن خفاجة البلنسي المعاصر لعلي بن يوسف وأبو الحسن علي بن عطية ابن الزقاق وابي جعفر ابن سلام المعافري، فقد اهتم الشعراء المتخصصين في فن شعر الطبيعة بوصف المناظر البيئية مثل الثلج وبرك المياه والأنهار والظواهر الطبيعية كقوس قزح والفصول الخمسة (فصل الربيع) والكائنات الحية مثل الفرس وغيره.
كما نبغ في العلوم اللغوية خلال امارة علي بن يوسف عدد كبير من العلماء الذين أبدعوا في علوم اللغة والنحو، مثل النحوي ابي محمد عبد الله ابن السيد البطليوسي شارح الموطأ مصنف كتاب الاقتضاب في شرح ادب الكتاب، والنحوي ابي الحسن علي بن احمد بن خلف الانصاري المتبحر في علم القراءات، واللغوي الشهير ابن اللجاش، وصاحب توليف نظم القرطين وضم اشعار القسطين أبو العباس احمد بن عبد الجليل التدميري. ومنهم احمد بن غزوان الفري مؤلف تواليف فوائد الإفصاح عن شواهد الايضاح.
كما ظهر الى جانب هذه العلوم اهتمام كبير بعلم الأخبار الذي يعتبر من أشهر مؤلفاته في تلك الفترة كتاب ابي زكرياء بن يحيى ابن الصيرفي الانصاري الغرناطي المسمى الانوار الجلية في تاريخ الدولة المرابطية، والذي كتب كذلك كتاب قصص الانباء وسياسة الرؤساء، كما اهتم ابن الصيرفي بعلوم الادب والبلاغة كذلك، وأبو الحسن ابن بسام الشنتريني صاحب مخطوط الذخيرة في محاسن اهل الجزيرة؛ وهو عبارة عن موسوعة أدبية تاريخية، وابن عامر البلوي الشهير بالمسالمي وأبو طالب ابن اصمغ الذي نبغ في علم السياسة الشرعية، و ابي نصر الفتح القيسي الاشبيلي المعروف بالفتح ابن خاقان و ابي عبد الله الصدفي ابن علقمة البلنسي و صاحب الصلة ابي القاسم خلف ابن بشكوال .
اما الجغرافية فاشهر من نبغ بها زمن الحكم المرابطي عبد الله ابن وزمر الحجاري الذي اءلف مخطوط المسهب في غرائب المغرب وهو الأساس الذي اخذ عنه صاحب كتاب المغرب في حلى
المغرب.
اما العلوم العقلية فقد شهد في العهد المرابطي خاصة بالأندلس تقدما كبيرا بفضل الأسماء والاعلام التي تألقت مختلف هذه العلوم؛ مثل علمي الطب والصيدلة والتي كان من اهم روادها الطبيب والكيميائي الاندلسي النابغ الشهير ابن زهر الايادي الاشبيلي الذي انتسب لأسرة اندلسية اشتهر افرادها بالعلم كان عميدها ورأسها ابي مروان عبد الملك ابن العلامة الفقيه محمد بن مروان ابن الازهر الايادي الاشبيلي احد ابرز محدثي اشبيلية في عصره ، و قد رحل أبو مروان هذا الى المشرق الإسلامي أيام شبابه و سمع في القيروان و مصر من كبار مشايخهما ، كما تتلمذ على ايدي اهم علماء الطب في المشرق آنذاك ، كما اشتهر ابنه الصيدلاني الطبيب ابي العلاء و كان امير المسلمين علي بن يوسف قد امر بعد وفاة هذا العالم بجمع كتبه و تواليه و إعادة نسخها ، كما صنف لأمير المرابطين كتابا سماه الاقتصاد في صلاح الأجساد. فضلا عن الطبيب ابي عامر بن عامر البلوي وابي الحسن بن سعيد السعدي وغيرهما ممن نبغوا في عصر امير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين في علوم الطب، وما يؤكد اهتمام الدولة المرابطية بالطب ووجود منصب عرف آنذاك برئيس الصناعة الطبية.
كما اهتم المرابطون بالفقهاء - خاصة من المدرسة المالكية – نظرا للأسس الشرعية التي قامت عليها الدعوة و الدولة المرابطية و التي جعلت العلماء من محدثين و فقهاء و غيرهم يكثرون بشكل كبير ابان الحكم المرابطي للمغرب و الاندلس ؛ و اهم هؤلاء العماء الشرعين نجد قاضي الجماعة بقرطبة الفقيه العلامة ابي الوليد ابن رشد الجد المالكي ،و العالم المحدث القاضي الفقيه المالكي الشهير أبو بكر محمد بن العربي المعافري الاشبيلي الاندلسي المتبحر في علوم الأصول و الفقه و التفسير و الادب و الشعر ، و العلامة العالم الغني عن التعريف المصنف الشهير امام زمانه القاضي ابي الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي دفين مراكش مصنف كتاب الاكمال الذي اكمل به كتابا لشيه المحدث المالكي المازري و كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى و قد برع القاضي عياض في الفقه و الحديث و التاريخ و الاخبار و اللغة و البلاغة و الادب و الشعر ، و كما برز في علوم الفقه و الحديث جمع غفير من العلماء منهم ابن ابي حقون و ابي محمد ابن عمر اللخمي المعروف بالرشاطي الذي اهتم بعلوم العلل و الجرح و التعديل و تاريخ الرواة ،و أبو عبد الله بن محمد بن حسين الانصاري و أبو جعفر بن محمد الخزرجي و ابن عطية المحاربي صاحب تفسير ابن عطية ، كما برع في هذه العلوم زمن امير المسلمين علي بن يوسف منه اهل الفقه و الحديث ابي عبد الله محمد ابن ابي احد عشر الانصاري ، و يوسف بن يربوع ابن سليمان ، و أبو الوليد ابن الدباغ و أبو عبد الله ابن الحاج التجيبي قاضي الجماعة في قرطبة.
وهكذا يتضح مما سبق ان العلم والعلماء كان لهما مكانة مهمة داخل المجتمع خلال الحقبة المرابطية خاصة أواخر حكمها، حيث شجع امير المسلمين ابي الحسن علي بن يوسف الحركة العلمية وعمل على دعمها وانعاشها.
المصادر والمراجع
ديوان الاعمى التطيلي، ابي جعفر احمد بن عبد الله بن ابي هريرة. تحقيق احسان عباس سلسلة المكتبة الاندلسية دار الثقافة بيروت 1963م.
وفيات الاعيان لابن خلكان، شمس الدين أبو العباس بن خلكان دار صادر بيروت تحقيق احسان عباس.
سير اعلام النبلاء للإمام شمس الدين محمد بن احمد الذهبي. تحقيق شعيب الارناؤوط مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الثانية 1402ه.
مقدمة ابن خلدون المسمى ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر والعجم ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر للعلامة عبد الرحمن بن محمد بن خلدون دار التقوى القاهرة طبعة 2017م.
المطرب من اشعار اهل المغرب لابن دحية، لابي الخطاب عمر بن الحسن ابن دحية الكلبي. مراجعة طه حسين المطبعة الاميرية القاهرة 1954م.
قلائد العقيان ومحاسن الاعيان لابن خاقان، أبو النصر الفتح بن عبيد الله القيسي الاشبيلي تحقيق الدكتور حسن يوسف خريوش منشورات كلية الآداب جامعة اليرموك.
الزجل في الاندلس، محاضرات القاها الأستاذ الباحث عبد العزيز الاهواني.
في تاريخ المغرب والاندلس للدكتور احمد مختار العبادي مؤسسة شباب الجامعة.
الاندلس والمغرب افاق إسلامية وحضارة إنسانية ومباحث أدبية للدكتور الباحث مصطفى الشكعة.
تاريخ المغرب والاندلس من القرن السادس الى القرن العاشر، تاليف مجموعة من الأستاذة. دار الامل للنشر و التوزيع.
تعليقات
إرسال تعليق