القائمة الرئيسية

الصفحات

الظاهر بيبرس و المستنصر الحفصي .... العلاقات الحفصية المملوكية



    بعد استيلاء المغول على بغداد عاصمة العباسيين عام 1258م و مقتل الخليفة المستعصم بالله اخر خلفاء بني العباس بالعراق ، انتهت الدولة العباسية و خلا العالم الإسلامي من وجود أي خليفة ؛ اذ كانت الخلافة رمز وحدة الامة الإسلامية و تماسكها حينذاك. 
      بايع امير مكة الشريف ابي نمى بن قتادة الهاشمي لابي عبد الله بن ابي زكرياء الحفصي صاحب تونس و افريقية اميرا للمؤمنين و خليفة للمسلمين ، بعدما اقنعه بذلك أبو عبد الله محمد ابن سبعين الاندلسي و هو الذي تولى انشاء ميثاق بيعة الحجاز للخليفة الجديد ؛ و وضح ابن سبعين في كتابه هذا ان الحفصيين من ذرية امير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه و انهم احق بالخلافة من غيرهم ، و تم ارسالها للأمير الحفصي بتونس مع الأندلسي عبد الحق بن برطة الازدي الاشبيلي. 
     و هكذا أصبحت الدولة الحفصية الخلافة الإسلامية الوحيدة في كامل العالم الإسلامي ثلاث سنوات من عام 1259م الى عام 1261م ، و امتد نفوذها الروحي الى غرناطة و المغرب الأوسط و امارة بني مرين بالمغرب الأقصى. جعل الخلفاء الحفصيون الأسس الشرعية سندا لهم للوثوب على الخلافة ؛ كالأصل القرشي و النسب النبوي الى جانب وراثتهم للخلافة الموحدية التي اقترب انهيارها الى جانب اعتقادهم لفكر المهدي ابن تومرت ؛ فادعى الخليفة الحفصي ان بني حفص من سلالة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ و عمر ثاني الخلفاء الراشدين و أبو ام المؤمنين حفصة رضي الله عنها زوجة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و بحكم انتماء الحفصيين لهذا الصحابي القرشي و كون القرشية شرط من شروط تولي الخلافة فضلا عن التزامهم بعقيدة الامام ابن تومرت و اتباعهم للدعوة الموحدية التي انتهجها ، فوجدوا بذلك لأنفسهم الشرعية المطلوبة لوراثة كل من الموحدين و العباسيين. و نتيجة لحرص حكام بني حفص على الاعتزاز بهذا النسب العمري ، تكاثر قصائد الشعراء المتملقين في مدح الدولة الحفصية و اطلاق تسمية الخلافة الفاروقية او العمرية عليها ؛ يمدحهم ان خلدون بقوله : 
 قوم أبو حفص اب لهم ******* و ما ادراك و الفاروق هو اول 
       و هكذا ظهرت في شمال افريقيا خلافة قوية عاصمتها مدينة تونس بإفريقية بسطت سيادتها المعنوية على اقطار الحجاز والمغرب الأوسط و الاندلس و المغرب الأقصى . و كانت سياسة سلطنة المماليك بمصر زمن الظاهر بيبرس تهدف لمد سيطرتها على الأماكن المقدسة بالحجاز لأغراض دينية وتجارية و سياسية ؛ لاقتفاء اثر حكام مصر السابقين الذين سعوا لضم بلاد الحجاز الى سيادتهم مثل السلاطين الطولونيين و الاخشيديين و الخلفاء العبيديين الاسماعيليين و السلاطين الايوبيين ، فضلا عن مكاسب اقتصادية متمثلة في احكام السيطرة على البحر الأحمر و عائداته الربحية. انتهى الإشعاع القوي للخلافة الحفصية بإحضار سلطان مصر الملك الظاهر بيبرس البندقداري الى القاهرة أحد أمراء بني العباس الفارين من بطش المغول الإلخان الذين قضوا على الخلافة العباسية و دمروا بغداد عام 656ه و أبادوا العباسيين و الهدف من ّلك سعي الظاهر بيبرس لإحياء الخلافة العباسية للحصول على الشرعية لحكمه ، و الذي كان يرى ان الخلافة الحفصية تتعارض مع سياسته الرامية لضم الحجاز للسلطنة المملوكية و اكتساب الشرعية ، فبايع السلطان المملوكي للأمير احمد بن محمد ابن الخليفة الظاهر العباسي في العاصمة القاهرة سنة 659ه بعدما تلي نسب الأمير العباسي ، و قلد الخليفة الجديد الظاهر بيبرس حكم مصر و الشام و الحجاز و الجزيرة الفراتية و ما يغزوه من بلاد الأعداء ، و بهذا العمل اكتسب السلطان بيبرس نفوذ روحي بدعم عباسي و شرعية مكنته من إسكات أصوات المعارضة بدعوى الخروج على الخلافة ، و هكذا انتقلت الخلافة و السيادة على الديار المقدسة في بلاد الحجاز من افريقية الحفصية الى مصر المملوكية التي أصبحت عاصمتها القاهرة مقر الخلفاء العباسيين الجديد. بإحياء الظاهر بيبرس للخلافة العباسية وجه ضربة قوية للخلافة الحفصية و انتزع منها حكم الديار الحجازية ، و كما بعث السلطان ركن الدين المحمل المصري الى مكة لكسوة الكعبة و الشموع و الزيت و الطيب و الصدقات و غيرها ، ثم أدى فريضة الحج و طرد اتباع الحفصين و امر بالدعاء للخليفة العباسي على المنابر في مكة و المدينة و الحجاز بدلا عن خليفة الحفصيين ، و كما وضع نائبا عن السلطنة المملوكية في الحجاز الى جانب امير مكة. 
    و على الرغم من الحرب الباردة التي كان مشتعلة بين سلطان المماليك البحرية بمصر و الشام الملك الظاهر و خليفة الحفصين بإفريقية المستنصر بالله حول وراثة الخلافة العباسية المنهارة و بسط السيطرة على الأماكن الإسلامية المقدسة في مكة المكرمة و المدينة المنورة ؛ الا انه بعد الحملة الصليبية الثامنة بقيادة الملك الفرنسي لويس التاسع المعروف في المدونات التاريخية المسيحية بلويس القديس على مدينة تونس عاصمة الحفصيين انتقاما من فشل حملته السابقة على مدينة دمياط المصرية امر الظاهر بيبرس أعراب برقة بالتقدم نحو إفريقية للدفاع عن مدينة تونس و امرهم بحفر الابار على طول طريق لتوفير المصادر المائية للمدافعين عنها ، كما استعد الملك الظاهر بإعداد جيش قوي للخروج الى افريقية لصد الحملة الصليبية التي سرعان ما سينسحب افرادها بعدما تفشى بينهم الطاعون و كاد يموت الملك لويس نفسه بعدما أصيب بالمرض ، و يرى بعض المستشرقين ان الحملة الصليبية الثامنة كان الغرض منها انتقام الملك لويس التاسع من هزيمة حملته السابقة على مصر مثل شارل اندريه جوليان و مكسيموس . 

 المصادر و المراجع 

 النجوم الزاهرة في ملوك مصر و القاهرة لجمال الدين ابي المحاسن ابن تغري بردي الأتابكي ، تحقيق محمد حسين شمس ، بيروت 1992م. 
 ديوان المبتدأ و الخبر في تاريخ العرب و البربر و من عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر لعبد الرحمن بن محمد بن خلدون ، تحقيق خليل شحاتة ، بيروت 2000م.
 تاريخ افريقية في العصر الحفصي من القرن 13 الى القرن 15م لروبار برنشفيك ، تعريب حمادي الساحلي ، بيروت 1988م.
 تاريخ أفريقيا الشمالية لشارل أندريه جوليان ، تعريب محمد مزالي و البشير سلامة ، الجزائر 1986م. السلطنة الحفصية تاريخها السياسي و دورها في المغرب الإسلامي لمحمد العروسي المطوي ، دار الغرب الإسلامي بيروت 1986م.

تعليقات