القائمة الرئيسية

الصفحات


مملكة الماسول:

تتحدث المصادر القديمة، أنه ابتداء من نهاية القرن الثالث قبل الميلاد ظهر الماسيسوليون كقوة من بين القوات التي كان يعرفها شمال أفريقيا، بحيث ذك رتهم ضمن جيوش حنبعل القرطاجي بإسبانيا. وإذا كان من الصعب تحديد مجال تحرك الماسيسول كقبيلة أو كاتحاد قبلي على الخريطة، فإن الباحث في تاريخ الممالك الأمازيغية يجد سهولة في تحديد مجال مملكة الماسيسوليين حيث لعب ملكها سيفاكس دورا كبيرا خلال الحرب البونية الثانية.

والواضح، أنه ابتداء من نهاية القرن الثالث قبل الميلاد، نجد المصادر القديمة تتحدث عن هذه المملكة كواقع سياسي، وإن كانت نشأتها وظهورها ظلا غامضين ومستعصيين على الفهم. سوف نترك البدايات الأولى لظهور هذه المملكة لأن الوقت لا يتسع لتقديم النقاش الدائر حولها بين الباحثين ، وسنتحدث فقط عن هذه المملكة ابتداء من الحرب البونية الثانية.

تقدم لنا المصادر هذه المملكة ابتداء من القرن الثالث ق.م وبالضبط خلال الحرب البونية الثانية كقوة تدخل في حسابات القوتين المتصارعتين، قرطاج وروما. وتتحدث هذه المصادر كذلك عن ملكها سيف اكس كأعظم وأقوى ملك أمازيغي استطاع بحنكته وقوته الوقوف في وجه قرطاج وروما معا وأن يدخل في صراع مع مملكة الماسوليين بزعامة مسنيسا.

خلال هذه الفترة كانت حدود المملكة واسعة إذ تمتد حسب إشارة سترابو من نهر ملوشة غربا إلى رأس طريطون قريبا من نهر الواد الكبير ومن جهة الشمال، يبدو أن البحر الأبيض المتوسط كان يشكل هذه الحدود، لأن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن المملكة كانت لها واجهة تطل على هذا البحر، لكن، ومن الواضح كذلك، أن مجموعة من المواقع والمراكز الموجودة على هذا الساحل كانت بمثابة جيوب خاضعة للقوة القرطاجية ولا نعرف طبيعة العلاقات السياسية التي كانت تربط تلك المراكز بالملك سيفكس ملك الماسيسول. ومن ناحية الجنوب، وكباقي الممالك الأمازيغية، كانت حدودها غير واضحة مادمنا لا نتوفر على معطيات سواء أدبية أو أثرية تساعدنا على ضبط هذه الحدود. فالنصوص تتحدث على أن القبائل الجيتولية كانت تتحرك جنوب الممالك الأمازيغية من المحيط إلى جنوب تونس، وقد عبر أحد الباحثين عن الغموض الذي يحيط بالجيتوليين قائلا: "يتعلق الأمر باصطلاح غامض يطلق على أقوام أو شعوب سكنت جنوب الموريين والنوميديين...". وانطلاقا من المجال الذي كانوا يتحركون فيه، اعتقد كامبس أن الليبيين عامة يأخذون اسم الجيتوليين انطلاقا من خط عرض معين.

أما عن ملوك هذه المملكة، فيبدو أن ذكرها ارتبط ارتباطا بذكر ملكها سيفكس وبدوره خلال الحرب البونية الثانية. هذا الظهور المفاجئ لهذا الملك على مسرح الأحداث ومملكة الماسيسوليين كقوة لابد وأنه كانت له سوابق وإن كان هناك صمت كلي للمصادر القديمة عن هذه السوابق، شأنها في ذلك شأن حياة سيفكس وماضيه وحتى مستقبل المملكة بعده وهل عرفت وجود ملوك آخرين أم لا. وما يعتقده الباحثون أن سيفكس كانت له عدة زوجات إحداهن أما لابنه "ورمينا" الذي يتحدث عنه أبيانوس بأنه بقي يسيطر على أكبر جزء من المملكة بعد أسر الرومان لأبيه الملك سيفكس. وكانت نهاية هذا الأخير مرتبطة ارتباطا شديدا بالصراع القرطاجي -الروماني وبانهزامه للمرة الثانية أما الجيوش الرومانية بمساعدة مسنيسا حيث ألقي عليه القبض سنة 203 ق.م وتم نقله إلى روما مع باقي الأسرى بأمر من سكيبيو.

إذا رجعنا إلى النصوص المتوفرة عن هذه المملكة، نجد جلها يتحدث عن الدولة الماسولية كواقع تاريخي – سياسي خلال القرن الثالث قبل الميلاد وإلى دورها العسكري في الحروب البونية. ولكن إذا رجعنا إلى أخبار هذه المملكة قبل هذا التاريخ، فال واقع أنها أخبار قليلة وغامضة لا تسعفنا كثيرا في تتبع مسار هذه المملكة في بداياتها. من بين الأخبار الغامضة التي يفهم منها أن المملكة كانت موجودة قبل القرن الثالث قبل الميلاد، نجد إشارة لديودور الصقلي يحكي فيها عن مغامرة أكاطوكليس في شرق منطقة شمال إفريقيا في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد. وفي نفس السياق نجده يتحدث عن ملك ليبي يدعى إيليماس تحالف مع طاغية سرقوسة، ويضيف - دائما في نفس السياق – أن هذا الملك كانت له عاصمة هي مدينة دقة.

 والملاحظ أن ديودور الصقلي تحدث عن "إيليماس" كملك ليبي وليس كملك ماسولي. ويطرح هذا ابرييل كامبس إلى ݣ الحديث أسئلة عن هوية هذا الملك وعن مملكته وحدودها. ورغم هذا الغموض فقد ذهب اعتباره أقدم ملك ماسولي ومن المحتمل بأن يكون أحد أجداد الملك مسنيسا . والواقع أن هناك بعض الشواهد وإن كانت قليلة ترجح أن هذا الملك كان ملكا ماسوليا وأن المملكة ترجع إلى نهاية القرن الرابع قبل الميلاد على الأقل نذكر من هذه الشواهد:

أن موقع مدينة دقة عاصمة إيليماس خلال الحرب البونية الثانية كان ضمن الأراضي الماسولية، وهو ما يرجح أن هذا الملك كان ماسوليا ، بالإضافة الى أنه تم العثور على نقيشة ترجع إلى عهد مسنيسا بمقبرة مدينة دقة تشير إلى جده "زيلالسن" الذي كان حاكما على تلك المنطقة في أواخر القرن الرابع قبل الميلاد وبداية القرن الثالث يتحدث بوليبيوس عن أجداد مسنيسا حكموا "ماساليا" ترجح هذه المعطيات أن ظهور هذه المملكة كان في القرن الرابع قبل الميلاد، لكن لا تقدم لنا أشياء كثيرة عنها، إذ لا نعرف عن تطورها السياسي والمؤسساتي أي شيء خلال هذا القرن. ويجب أن ننتظر القرن الثالث الذي بدأت فيه المعطيات عن هذه المملكة وأخبارها تتضح سيما مع وصول الملك كايا إلى حكم هذه المملكة و الذي بدأت فيه المعطيات عن هذه المملكة وأخبارها تتضح سيما مع وصول الملك وبعد وفاته سنة 206 ق.م تشير الأخبار المتوفرة إلى ملوك آخرين ماسوليين مثل أوزاليكس  و مسنيسا الذي يعتبر بحق من أقوى الملوك الأمازيغيين فقد عرف بمواقفه السياسية وبتحالفاته خصوصا مع الرومان وكلك بانجازاته ومشاريعه الاقتصادية.

أما من حيث امتدادها الجغرافي، فيبدو أن مجالها عند بداية الحرب البونية الثانية، كان يمتد شرق الجزائر وغرب تونس أي أنها كانت منحسرة بين منطقة النفوذ القرطاجي شرقا والأراضي الماسيسولية غربا وبمجال تحرك القبائل الجيتولية جنوبا. هذه الحدود غالبا ما وجد الباحثون صعوبات جمة في تحديدها بشكل دقيق خصوصا منها الحدود الشرقية والغربية لأنها كانت بين جاذبيتي قوتين: القرطاجية والماسيسولية مما أثر كثيرا على مجريات أحداث تاريخها.

 خلاصة عامة:

 قدمنا باختصار شديد بعض القضايا العامة المتعلقة أساسا بنشأة وظهور هذه الممالك إضافة إلى مجالها وملوكها. وبدا واضحا أن ظهور هذه الممالك ارتبط أشد الارتباط بمواقفها من القوتين المتصارعتين آنذاك على أرض شمال أفريقيا وهما القوة القرطاجية والقوة الرومانية. هذه المواقف تفسر من جهة غموض وتضارب المصادر في حديثها عن الممالك سيما في بداياتها الأولى ومن جهة ثانية لم تسمح هذه المعطيات بالوقوف على قضايا أخرى وجوانب أخرى من تاريخ الممالك الأمازيغية. هذا الغموض والنقص في النصوص جعل الباحثين يلجؤون إلى الاعتماد على علوم مساعدة كالأبحاث الأركيولوجية.

ومن بين الجوانب التي أثير حولها النقاش ووصل إلى حد الجدال هي الجوانب المتعلقة بالتنظيم الإداري سيما منها إشكالية وجود عواصم لهذه الممالك. وفي غياب معطيات دقيقة نجد اقتراحات مثل تنجي / ليكسوس وليلي / جيلدا  مقارنة بالنسبة لمملكة الماسيسوليين. وفيما يخص مملكة كايا بالنسبة لمملكة موريطانيا وقرطة وسي مسنيسا (مملكة الماسول) ومن خلال حمل بعض المدن للقب الملكية. يعتقد الباحثون أنها كانت تتوفر على أكثر من عاصمة. أما سلطة الملوك، فنعتقد أنها لم تكن مطلقة على الأقل في بعض الفترات بحيث كان هناك مجلس يتكون ربما من أفراد العائلة الحاكمة وشيوخ القبائل. وهذا ما نلاحظه مثلا مع الملك سيفاكس، فرغم قوته لم يكن بإمكانه تجاوز القبائل وشيوخها والمدن وأعيانها إذ حسب بعض الباحثين: "كان هؤلاء يشكلون حلقة وصل بين الملك وأفراد القبيلة أو المدينة، وبدونها لم يكن للملك أي وجود فعلي داخل القبيلة والمدينة".


تعليقات